هـنـا دمشق ومـا أحـلاه مــــــــــن نغمِ
أنشـودةٌ فـي فـمـي أم نشـوةٌ بـدمــــــي؟
...
والضحى والغدائر الـذهـــــــــــــــــبِ
والعـيـونِ الشهـبـاءِ كـــــــــــــالسُّحُبِ
...
يـا حـبــــــــــــــــــــيبًا لستُ أخشى فـيـه عـيـنَ الرقبــــــــــــــــــــاءِ
أتـمـنّاه ولا يَمْــــــــــــــــــــــنعـنـي عـنه حـيـائـــــــــــــــــــي
...
الراحـلـون مـثـالـبٌ ومَثـانــــــــــــي
فإذا ذُكِرْتَ فـمـا لـذكرك ثـــــــــــــانِ
...
إسكـندريةُ فـيكِ الرِيُّ والظـــــــــــــمأُ
بأيّ قصّةِ حـبٍّ فـــــــــــــــــيكِ أبتدئُ؟
...
صالح جودت، شاعر مصري معاصر ولد في 12 ديسمبر عام 1912، القاهرة. وتوفى بها عام 1976 عن أربعة وستين عاماً حافلة بالتغني في حب مصر والعالم العربي ظهرت عليه علامات النبوغ وبوادر موهبته الشعرية منذ كان طالباً بالمرحلة الثانوية. وتعرف في المنصورة على الشعراء علي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمد عبد المعطي الهمشري حيث تصادف إقامتهم فيها إما للعمل أو للدراسة في الفترة من سنة 1927 إلى سنة 1931. وعاصر صالح ثورة 1919، وانفعل بها فصقلت وجدانه وألهبت روحه، فأحب ديوان صالح جودت (جمعية أبوللو)، عام 1932 الوظائف التي تقلدها مدير الدعاية لبنك مصر وشركاته محرر بجريدة الأهرام رئيس تحرير مجلة الإذاعة المصرية مراقب البرامج الثقافية ومدير صوت العرب بالإذاعة المصرية مدير تحرير مجلة الاثنين عضو مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير الهلال، وروايات الهلال، وكتاب الهلال عضو مجلس إدارة جمعية الأدباء نائب رئيس مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين الجوائز والأوسمة وسام النهضة الأردنى، عام 1951 وسام العرش المغربي، عام 1958 وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، عام 1959 ميدالية العلوم والفنون جائزة أحسن قصيدة غنائية في السد العالى، عام 1965 جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1958 مواقف مع أم كلثوم ذات يوم تأثرت أم كلثوم بكلام اذاعي يحض على الصفح والخير ويوضح موقف الإسلام من التفرقة العنصرية، فما كان منها إلا أن طلبت من الشاعر صالح جودت ان يشرع في نظم قصيدة لتنشدها غنائيا حيث جاء في مطلعها: الواحد الرحمن، من كون الأكوان، ولون الألوان، وأبدع الإنسان، يا أخي في الشرق والغرب سلاما وتحية، يا أخي من كل لون ولسان وهوية، كل إنسان على الأرض أخي في البشرية أحمد شوقي كان صالح جودت يقول ان رابطة روحية واتصال وجداني ربطا بينه وبين أمير الشعراء، وكان يعظمه على كثير من الشعراء ويعتبره نبي الشعر بعد المتنبي)
ماتت الشجرة
واحسرتاهُ، ماتتِ الشجرهْ
وتساقطتْ في الظلّ مُحتضَره
أهديتِها لي بعد أنْ عبرتْ
ما بيننا أُحدوثةٌ عَطِره
عن قطّة بيضاءَ ناعمةٍ
عاشتْ بغاب كلُّه نَمِره
سُكّانُه ازدحمتْ مطامعُهم
فيها، وما كانوا بها بَرَره
لكنّها بجميل حِكمتِها
خرجتْ على الأطماع مُنتصره
وسمعتُ من شفتيكِ قصّتَها
والمُزن من عينيكِ مُنحدره
وفهمتُ ما في الرمز من سببٍ
إنَّ الرموز تُعَرِّف النَّكِره
ولمستُ كَبْتاً صامتاً عَرِماً
يرتجّ تحت نعومةِ البشرهْ
وعواطفاً عذراءَ حالمةً
وأنوثةً شمّاءَ مُدَّخَرهْ
وجرى بنا قَصَصٌ إلى قصصٍ
ومضى الحديثُ يكرّ كالبَكَره
حتى وقفنا عند مُفترَقٍ
أطرقتِ فيه حييّةً خَفِره
أُلقي السؤالَ إليكِ في حذر
وإجابتاكِ الصمتُ والعَبَرهْ
مأساتُنا في العيش واحدةٌ
يا قطّتي، يا أجملَ الهِرَره
في شرعة الغاباتِ، سيّدتي
يشقى التقاةُ ويسعد الفَجَرهْ
وهممتِ واقفةً، مُخَلِّفةً
قلباً يُواجه في الهوى قَدَره
وأردتُ أستبقيكِ من وَلَهي
فوددتِ، واستأذنتِ مُعتذره
ومددتِ نحو فمي يداً ظمئت
لحلاوة القبلاتِ مُنتظره
فلثمتُها، ولو اتّقى خجلي
ضعفي إليكِ، لثمتُها عَشَره
أهديتِ لي من بعدها الشجرهْ
فينانةً مُخْضلَّةً خَضِره
وقبلتُها وأنا أحسُّ بما
في لُبِّها من لُعبة خطره
وهمستِ لي: أَحسنْ رعايتَها
وتَولَّها بأنامل حذره
واسهرْ عليها، فَهْيَ غانيةٌ
من عاشقات الظلّ في الحُجُره
واللهُ يشهد، كم نزلتُ على
همسِ الجمال وكلِّ ما أمره
ونفضتُ عنها التُربَ مُنتثراً
وثنيتُ عنها الريحَ مُعتكره
وذببتُ عنها الطيرَ عابثةً
ورددتُ عنها الشمسَ مُستعِره
إلا فَراشاتٍ مُلَوَّنةً
هفهافةً ورديّةَ الوبره
حامتْ عليها تنثني طَرَباً
وتراقصتْ نشوانةً سَكِره
وتخايلتْ باللون حاليةً
وتحايلتْ بالضعف مُؤتزِره
فنسيتُ من وَلَهي برونقها
أنَّ الفَراشة أصلُها حَشَره
راحتْ تدغدغ في رقائقها
وتمسّها في شِرَّة وشَرَه
وتمصّ ماءَ الجذع واغلةً
وتميل نحو الجذر مُعتصره
وأنا لجهلي، لا أُحسّ بما
يجني الفَراشُ فأتّقي خطره
كم من نفوس ترتدي كذبا
ثوبَ الضعيفةِ وهي مُقتدره
أكلتْ نضارتَها، فما تركتْ
إلا قشوراً هشَّةً نَخِره
واحسرتاه، ماتتِ الشجره
وتساقطتْ أوراقُها النضره
من يومها، ما جاءني نبأٌ
عن قطّتي والغاب والنَّمِره
الفألُ، ويحَ الفألِ، يُغرقني
بهواجس مُسْوَدَّةٍ عَكِره
تُوحي بأنَّ مدى حكايتِها
أكذوبةٌ في الحبّ مُبتكرَه
وتقول لي: تَخِذتْكَ أُلهيةً
بشُجيرة كتمائم السَّحَره
ماتتْ، وكانتْ غيرَ مُثمرة
واهاً لغرس ما له ثمره
وتُضيف: أَقْصِرْ فَهْيَ ناسيةٌ
هل قطّةٌ للعهد مُدَّكره؟
هي قطّة، كبنات جِلدتها
وقلوبُهنَّ ثعالبٌ مَكِره
تقسو عليكِ هواجسي، وأنا
أحيا بنفس نصفِ مُنشطره
تقسو عليكِ، فهل أُصدِّقها؟
أم أنَّها كذّابةٌ أَشِره
سيقول عنّا الناسُ في غدنا
بقي الأسيرُ، وراح مَنْ أسره
فأقول: ضاعتْ خبرتي بدداً
وأَضلُّ أهلِ الحبّ من خَبِره
فيمَ انتظاري وَهْمَ عودتها؟
مات الهوى.. مذ ماتتِ الشجرهْ