الكرام واللئام Poem by Abdullah alHemaidy

الكرام واللئام

من شعر الأديب يوسف بن علي بن محمد بن يوسف بن أحمد بن عطاء بن إبراهيم بن موسى الفارسكوري الشافعي:
كم من لئيم مشى بالزور ينقله... لا يتقي الله لا يخشى من العار
يود لو أنه للمرء يهلكه... ولم ينله سوى إثم وأوزار
فإن سمعت كلاماً فيك جاوزه... وخل قائله في غيه ساري
فما تبالي السما يوماً إذا نبحت... كل الكلاب وحق الواحد الباري
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار.

أنظر البلدانيات للسخاوي، الجزء الأول صفحة 234

وللأديب عبدالله الجعيثن:

تقول العرب: أَمَرُّ الأشياء حاجةُ الكريم إلى اللئيم.

وهذه الحاجة مؤلمة جداً لنفس الكريم، ويأباها إلا إذا كان مضطراً إلى آخر الحدود.. والحاجة ليست مالاً فالكريم لا يطلب من أحد.. ولكنَّه قد يضطر لمراجعة لئيم في أمر ضروري لا مناص منه، كأنما هو يردد مع الشاعر:

ولكنَّ البلاد إذا اقشعَّرَتْ

وصوَّح نبتُها رُعي الهشيمُ

والكرام في التعبير الشعبي هم (الأجواد) وهي لفظة فصيحة جمع (جواد) وهو الكريم والجيِّد من الناس.

والكرام هم النبلاء في أخلاقهم، الأسخياء بأموالهم، الوافون مع أصحابهم، العاشقون لمكارم الأخلاق، والكارهون لمساوئها، والمترفعون عن سفاف الأمور.

وضد الكرام.. اللئام.. و هم أهل الدناءة والغدر.. ومصدر الخسَّة والنذالة.. وهم البخلاء بأموالهم.. والبخلاء بالكلام الطيب.. إلا أن يكون نفاقاً وتزلفاً كذوباً لغرض معلوم ينتهي بانتهائه.

والكرام يملكهم المعروف ويثمر عندهم أضعافاً مضاعفة.. أما اللئام فيضيع عندهم المعروف كالأرض السبخة لا نبتاً أخرجت ولا ماءً حفظت:

ونذلُ الرجال كنذل النبات

فلا للثمار ولا للحطب..

بل إن تقديم المعروف للئيم، وإكرامه، قد يزيده لؤماً وغدراً، وقد لخص هذا ذلك المتنبي وصوره في بيته المشهور:

إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرَّدا

? ? ?

وأصل الكرم.. وأوله.. أن يحترم الإنسان نفسه.. ويكرمها عن المذلة والهوان.. ويرفعها عن مخالطة الأنذال:

ونفسَكَ أكرمْها فإنك أن تَهُنْ

عليك فلن تلقى لها الدَّهْرَ مُكْرماً

? ? ?

وفي الأجواد يقول سرور الأطرش:

الأجواد يَحْجُوْن الضعيف بمالهم

كما يزين الظامي جناب قليبْ

إذا تزبَّنْهُمْ عن اللال والظما

يروح وصملانه تصب صبيب

ترى الناس لولا صار فيهم عنابرْ

غَدُوا مثل ضان يُرْتَعُون شعيب

يشبه الأجواد بالمورد العذب يروي الظمآن ويبرد الكبد.. أما اللئام فكالبهائم ترعى.

وإذا كان قد شبه اللئيم بالضأن، فإن الغربيين يشبهون البخيل بالخنزير، والبخل هو اللؤم بشحمه ولحمه.

ورغم أن النصارى لا يأنفون من الخنزير، إلا أن وجه الشبه بين البخيل والخنزير صحيح على مجرى عاداتهم، فهم لا يستفيدون من الخنزير أبداً وهو حي، لأن الخنزير لا يُحلب ولا يبيض ولا يُجٌزَ صوفه، فإذا ذبحوه استفادوا من لحمه وشحمه الذي اكتنزه، والبخيل فائدته لورثته بعد موته!

? ? ?

وجرت أخلاق كرماء العرب على الترفع عن مجاراة اللؤماء في السب والذم، يقول شاعرهم:

وكم من لئيم وَدّ أنِّى شتمته

وإن كان فيه الشتمُ صابُ وعلْقَمُ

وللكَفُّ عن شَتْم اللئيم تكرُّماً

أضرُّ لهُ من شتمه حين يُشْتَمُ

ويقول شمر بن عمرو الحنفي:

ولقد أمر على اللئيم يَسُبُّني

فمضيتُ ثَمَّت قلتُ لا يعنيني

غضبانَ مُمْتلئاً على إهابه

إني وربَّكَ سُخْطُهُ يُرْضيني!

ذلك اللئيم المتأصل في اللؤم لا يتورع عن أي شيء، ولا يستحي من أي سوء، ويمارس أشد أنواع النذالة واللؤم وكأنه لم يفعل شيئاً، وقد وصف الشاعر قوماً من هؤلاء فقال:

إنْ يغدروا أو يفجروا

أو يكذبوا لا يحفلوا

يغدو عليك مُرَجَّلَينَ

كأنهم لم يفعلوا..!

فرغم كل المخازي التي عملوها في صاحبهم يقابلونه غداً وقد صففوا شعورهم ينتظرون الشكر وحسن الاستقبال! !

ولله في خلقه شؤون! !

? ? ?

ويقول الشاعر الشعبي محمد المهادي في الكرام واللئام، وشعره رائع:

الأجواد وإن قاربتَهم ما تملّهمْ

والأنذال وإن قاربتها عفْتَ ما بها

والأجواد وإن قالوا حديث وفوا به

والأنذال منطوق الحكايا كْذَابْها

والأجواد مثل العدّ من ورده أرتوى

والأنذال لا تسقي ولا ينسقي بها

والأجواد تجعل نيلها دون عرضها

والأنذال تجعل نيلها في رقابها

والأجواد مثل البدر في ليلة الدجى

والأنذال غَدْراً تايه من سرى بها

ولعلّ نفس ما للاجواد عندها

وقار عسى ما تهتني في شبابها

? ? ?

ويشبه الشاعر محمد السياري الكرام بالصقور الحرة، والأنذال بالغربان، غربان الشؤم التي لا تقع إلا على الجيف:

اوصيك يا اللي تطلب المجد والثنا

ترى الخطا في المرجله صوابْ

وترى كل طير صيدته على قدر همته

الحر حرّ والغراب غراب

والنذل دائماً ساقط الهمة!

? ? ?

والأنذال إمَّا أن يكون ذلك طبعهم، أو بسبب تربيتهم، أو لشدة الأنانية فيهم فهم يريدون أن يأخذوا ولا يُعْطون، وليت من يعطونهم منهم سالمون، فاللئيم يسب من أكرمه، ويسيء إلى من أحسن إليه.

وقد يمارس الإساءة والنذالة بلا سبب كالكلب العقور:

يسطو بلا سبب

وتلك طبيعة العقور

وهم محجوزن عن المكارم لأن فيها مشقة بالغة عليهم وصعوداً وهم لم يعتادوا غير الانحدار:

لولا المشقةُ ساد الناس كُلُّهم

الجود يُفْقرُ والأقدامُ قَتَّالُ

ولا يُراد من الأنذال جودٌ يُفْقر! .. كلا.. يُراد

فقط كف الشر والأذى.. السلامة من يده ولسانه.. ليكن (دابة سليمة) فقط.. لا تضر.. ولا تفيد.. مشكلة اللئيم أنه يضر في المحضر.. والمغيب.

? ? ?

وأول علامات اللؤم الوقاحة وقلة الحياء.. وقد وُرد في الحديث الشريف: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فأصنع ما شئت»!

وهذا للتهديد بسوء عاقبة ذلك.

? ? ?

ومن صفات الكرام الوفاء وتذكُّر الصاحب القديم ولو انقطع، ووصله إذا كان محتاجاً:

إن الكرام إذا ما أخصبوا ذكروا

من كان يعتادهم في المنزل الخشن

أما اللئيم فلا يكاد يثري حتى تفوح منه روائح اللؤم أكثر حتى تؤذي النفوس والأنوف.

يقول الشاعر عن لئيم أثري:

فإن تكُن الدنيا أنالتْكَ ثروة

فأصبحت ذا يُسْر وقد كنتَ ذا عُسْر

لقد كشف الإثراءُ منك مخازياً

من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر!

بل إن اللئيم إذا اغتنى بعد فقر تنكر لأصدقاء الماضي وطلق زوجته التي صبرت على فقره ولؤمه.. وهي الرابحة!

إذا استغنى الوضيعُ ونال جاهاً

وانكر نخوة في الناس نَفْسَهْ

حَبَا خُلَصانَ إخوته جَفَاءً

وغيَّر بابَهَ وأبان عرْسَهْ

ولو حاول اللئيم أن يهم بعمل معروف، فإن نفسه لا تطاوعه:

يعالج نفساً بينَ جنبيه كزَّةً

إذا هَمَّ بالمعروف قالت له مهلا! !

وقد كان زياد بن أبيه يقول: لأن ينزل عشرة من العلية خيرٌ من أن يرتفع واحدٌ من السَّفَلة!

وطبعاً ليس من الخير أن ينزل أهل العلا من دراهم ولكن الأمر للمبالغة في التوضيح.. وإنها حكمة!

? ? ?

وقد لخص حماد عجرد الفرق بين الكرام واللئام في بيتين فقط هما:

إنَّ الكريم ليُخٌفي عنك عسرتَهُ

حتى تراهُ غنيّاً وهو مجهودُ

وللبخيل على أمواله علَلُ

زُرْقُ العيون عليها أوجهٌ سودُ! !

Sunday, August 3, 2014
Topic(s) of this poem: people
COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success