مأساة الشاعر Poem by نازك الملائكة

مأساة الشاعر

قد هبطنا في شاطىء الشعر والفن{#spc} فماذا فيه من الأفراح؟
ها هو الشاعر الكئيب وحيدا {#spc}تحت سمع الآصال والأصباح
أبدا ساهم يراقب أيّا م{#spc} حياة لا تنقضي بلواها
لا يرى الواهمون غير ضحاها{#spc} ويعيش الفّنان تحت دجاها
يرقب الأشقياء في ظلمة العي ش{#spc} ويبكي لهم بكاء غبين
ويصوغ الألحان يرثى لبلوا هم{#spc} ويبكي على الوجود الحزين
طالما بات ساهد الطرف حيرا ن{#spc} يسرّ الظلام أحزان شاعر
لا يرى في الحياة إلا وجودا {#spc} ظّللته يد الشقاء العاصر
أبدا لا يرى سوى مسرح المأ ساة{#spc} بين الدموع والتنهيد
وستارا من الدجى يتجّلى {#spc}كلّ يوم عن مّيت ووليد
واكتئابا يمشي على صور الكو ن{#spc} جميعا ولوعة وشقاء
ودموعا تلوح في كل عيني ن{#spc} ودهرا يخادع الأحياء
ليس يلقى الحياة إلا حزين ال قلب{#spc} حيران في هموم الحياة
كلما أنّ بائس ذرف الشا عر{#spc} دمع الأسى على المأساة
وإذا أذبل الجليد زهو ال لوز{#spc} ران الأسى العميق عليه
وإذا ماتت البلابل ظمأى {#spc}جال دمع الرثاء في مقلتيه
فهو قلب قد صيغ من رّقة الزه ر{#spc} وعين قد طهّرت بالدموع
وحياة حسّاسة ليس يدري{#spc} سرّها غير شاعر مطبوع
هي عمر ظمآن تعصره العز لة{#spc} عصرا, يمرّ كالآزال
في سكون لا صوت يسمع فيه{#spc} غير صوت الصرّار تحت الليالي
غير همس الحمام في الجبل المو حش{#spc} أو لحن بلبل مهجور
وحفيف الأشجار في قبضة الر يح {#spc}وصوت الرعود في الديجور
غير همس الأشباح ملء دجى الشا عر{#spc} في ليله الطويل الجديب
يتلّقى الأشعار عنها ويحيا {#spc}أبدا في حمى الأسى والشحوب
أيها الشاعر الذي يسهر اللي ل {#spc}وحيدا مستغرقا في الجمود
محرقا روحه بخورا على{#spc} حبّ (أبولو) ووحيه المنشود
ساهدا حانيا على القلم الشا عر{#spc} يرثي الدجى ويبكي السنينا
راسما للحياة صورتها {#spc}المرّ ة بين الجياع والبائسينا
أطفىء الضوء أيّها الشاعر المت عب {#spc}وارحم فؤادك الموجوعا
كاد يخبو ضوء السراج وتأتي{#spc} ظلمات الدجى عليه جميعا
رقد العالم المعذّب تحت ال ليل{#spc} فارقد واترك بقايا النشيد
حسبك الآن ما سهرت مع الحا رس{#spc} ترثي لليلة المكدود
قد أوى الحارس الكئيب إلى الكو خ {#spc}إلى غمضة الكرى والطيوف
فكفى يا حزين عطفا على {#spc}الكو ن ورفقا بقلبك الملهوف
عجبا كيف تسهر الشاعر المل هم{#spc} أحزان من عن الحزن ناموا
كيف ترقا مدامع الورد في الحق ل{#spc} ويبكي على أساها الحمام
آه يا شاعري المعذّب ماذا؟ {#spc}أكذا تصرف الحياة غبينا؟
في سبيل الوحي السماويّ تحيا {#spc} شاحب الوجه متعبا محزونا
بعت بالشعر لهو أيّامك الظمأ ى{#spc} وعفت الحياة عينا وقلبا
ونذرت الشباب والحبّ للفن {#spc} لتحيا على الجراح محّبا
ليس يعنيك أن ترافقك الأح زان{#spc} ما دمت ملهما صدّاحا
ليس يرضيك غير تغّني ه{#spc} وإن صغته أسى ونواحا
ليس تعطي الحياة للشاعر المج د{#spc} إذا لم يذق هموم الحياة
ليس تسمو الأرواح إن لم تطهّر ها{#spc} معاني الدموع والآهات
فإذا أشحب الأسى وجنة الشا عر{#spc} أو بات ليلة أوّاها
وإذا عضّ قلبه مخلب الحز ن{#spc} وضاقت حياته بأساها
خاطبته الحياة : يا شاعري المل هم{#spc} يا ابن الشحوب والآلام
النجوم الوضاء لا تبعث السح ر{#spc} إذا لم يسدل ستار الظلام
والذي يجمع الزهور يدوس الشوك{#spc} يا شاعري ويمشي عليه
والذي يعشق الطبيعة لا يث قل{#spc} صمت الدجى على مسمعيه
فاحتمل ما استطعت أحزان عمر {#spc} هو لولا الأحزان ما كان شيّا
وادفن النور في جفونك ميتا {#spc}وابعث الشعر من فؤادك حّيا
غنّ هذا العذاب صف لحياة الن اس {#spc}ماذا يبكي فؤاد الشاعر
صف لهم كيف يصرف العمر{#spc} حيرا ن ويحيا على أساه العاصر
صف لهم ذلك الصراع صراع ال فكر{#spc} والقلب في ظلام الحياة
كّلما أخفت النعيم صراخ ال قلب{#spc} ضج الفكرالأبيّ العاتي
فهما في حياته نبع أحزا ن{#spc} يردّ الحياة أفقا كئيبا
وهما الثائران لا بدّ من{#spc} صو تهما وليكن دما ولهيبا
شرعة الفكر أن يغرّد بالشع ر{#spc} ويشدو وإن يكن محزونا
ومناه السموّ للعالم الأع لى{#spc} وأن يلق في الطريق المنونا
فهو أفق حرّ يريد حياة ال عقل{#spc} في معزل عن الإحساس
وسواء لديه أن يشجب الشا عر{#spc} أو أن تقسو عليه المآسي
أفليس الشحوب والألم العا صر{#spc} نبعا للشعر والألحان
أو لا تقنع الحياة من الشا عر{#spc} باللحن في حمى الحرمان؟
فيم كان الصراع يبعثه القل ب{#spc} إذن فيم؟ فيم لا يطمئن
فيم يأبى الحياة في وحشة العز لة{#spc} والفكر فيم يمضي يئن؟
هكذا تصرخ الخواطر بالشا عر{#spc} في ليله, فإن جاء فجر
ورأى الراعي الصبيّ يسوق ال غنم{#spc} الظامئات لم يبق شعر
ومضى القلب صارخا أين حّبي؟ {#spc} أين لهوي؟ وفيم أبقى أسيرا
أبدا لا أني أضّحي بأفرا حي{#spc} وأحيا ذاك الحزين الكسيرا
من بكائي تصوغ شعرك للكو ن{#spc} ومنّي المنى ومّني الحنين
من دمي هذه الملاحم فارحم ني {#spc}أنا العاشق الشجي المغبون
انطلق بي دعني أذق فرحة {#spc}الحبّ لعلي من الشقاء أفرّ
ما غناء الأشعار يا شاعري المت عب{#spc} إن كانت الحياة تمرّ؟
ليس يغني عنك النشيد إذا متّ {#spc}حزينا وليس يرويك لحن
لا تقل في غد غد ندم قا س {#spc}على ما مضى ويأس وحزن
تحت ثقل الثرى وفي وحشة المو ت {#spc}سيخبو هذا النشيد ويفنى
فإذا لحنك الذي صغته يأ سا {#spc}وحزنا للناعمين يغّني
وستنسي أنت الذي ملأ الدن يا{#spc} جمالا ومات ظمآن جهما
وسيبلى التراب ما يتبّقى {#spc} منك يا مستطار لحما وعظما
ثم ماذا ؟ غدا يقولون قد كا ن{#spc} فتى بيننا طواه الهزال؟
ما رأينا منه سوى طيف إنسا ن{#spc} فقدناه واصطفاه الخيال
سيقولون شاعر ركبته لوثة{#spc} فانزوى وعاش غريبا
أبدا يرقب الفضاء يصيد الن جم{#spc} أو يحصد الظلام الكئيبا
يرمق الزهر من بعيد وفي {#spc}عي نيه أحلام عاشق ولهان
جامدا قانعا بعذريّ حبّ {#spc}يكتفي بالعطور والألوان
أيها الشاعر السجين كفانا {#spc} غربة في حياتنا ووجوما
حسبك الآن ما خضعت لصوت العقل{#spc} وارحم شبابك المحروما
ويمرّ النهار والشاعر المغ بون{#spc} حيران بين فكّي أساه
بين همس الصوتين يحيا كئيبا {#spc} ويناجي طيوفه ومناه
فإذا جاش قلبه بمعاني ال يأس {#spc}ألقى أحزانه في النشيد
لائذا باليراع يسكب فيه {#spc}ما يعاني من العذاب الشديد
ساكبا روحه على كل بيت {#spc} ناحتا من فؤاده الألحانا
راضيا بالشحوب والسقم حبا {#spc}لأبولو مستسهلا ما كانا
كلّ بيت من شعره يتقاضا ه{#spc} شحوبا ورعشة وسقاما
فهو في لحنه يذيب صباه {#spc} ويضيع الشباب والأحلاما
ثم ماذا؟ سرعان ما يزأر الإع صار{#spc}, والزهرة الجميلة تذوي
وإذا الضوء في الأعاليّ يخبو {#spc} وإذا النجمة الوضيئة تهوي
ويغيب الضياء في ليل قبر {#spc} ليس تبكي له سوى الأمطار
ليس يرثيه غير ذاوي صباه{#spc} وبقايا القيثار والأشعار
ذلك الشاعر الذي كان يحيا{#spc} عمره باكيا على كلّ باك
ذلك العاطف النبيل على الأح زان{#spc} ذاك الملقى على الأشواك
نبذته الأيام في قبره المو حش{#spc} تحت الرياح والظلمات
حيث لا آهة يصعّدها {#spc}قل ب ولا دمعة على المأساة
هكذا في العذاب تمضي حياة الش اعر{#spc} الملهم الرقيق وتنسى
هكذا يملأ الوجود جمالا {#spc} ويذوق الآلام كأسا فكأسا
هكذا كلّ شاعر فارحلي بي يا{#spc} سفينتي عن عالم الشعراء
ولندعهم في ذلك الشجن العا صف{#spc} بين الآهات والأدواء
ولنسر في بحر الحياة كما كنّ ا{#spc} ونلقي المرسى على كل ساحل
ربما يا سفين نلقى ضياء {#spc}يتجلّى بعد الظلام القاتل

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success