في الريف Poem by نازك الملائكة

في الريف

عند هذي الأكواخ شاعرتي أل قي {#spc}المراسي تحت الفضاء الصاحي
أنظري أيّ عالم فاتن المج لى{#spc} بعيد عن ضجّة الأتراح
أنظري عّلنا بلغنا أخيرا{#spc} ذلك الشاطىء الذي نتمّنى
بعد ليل من المسير طويل {#spc}ضاع فيه عمري كلالا وحزنا
أنظري أنظري هنا العشب الأخ ضر{#spc} نشوان في سفوح الجبال
عند نبع من قنّة الجبل الأب يض {#spc}يجري تحت السّنا والظلال
الصباح الجميل قد توّج الود يان{#spc} بالضوء والجمال البهيج
ما أحبّ الحياة في هذه الجنّ ة{#spc} تحت الضياء بين المروج
ما أحبّ الصفاء يحتضن الأشج ار{#spc} والواد النضير الخصيبا
ما أرقّ الأزهار في مهدها الور ديّ{#spc} ما أعطر الربى والسهوبا
كلّ شيء في هذه الجّنة الحل وة{#spc} يوحي بأننا قد وصلنا
ها هنا شاطىء السعادة هذا {#spc}حلم قلبي فما ألذّ وأهنا
فلنطف بالعرائش الخضر فلنغ نم{#spc} صفاء الحياة بعد أساها
فلتجفّ الدموع فليمض أمس {#spc} مرّ بالقلب باكيا أوّاها
ولنعش للصفاء يفتن دنيا نا{#spc} غناء الرعاة عند الجبال
ونشيد تديره شفتا طف ل{#spc} يغّني على تلول الرمال
وقطيع الأغنام في المرج تحت الظ لّ{#spc} والفجر والندى والنسيم
وليالي الحصاد والقمر السحر يّ {#spc}والطيف والصدى والغيوم
فلنقضّ الحياة في هذه الجن ة{#spc} ناسين حادثات الحياة
ها هنا فتنة الطبيعة تنجي ال كائن{#spc} الحيّ من خيال الممات
ها هنا أستطيع أن أفهم السرّ {#spc} ففيم الأسى وفيم البكاء؟
خل خلت هذه المجالي من الأغ نام {#spc}يوما؟ وهل تعرّى الفضاء؟
ها هنا يستطيع أن يفهم القل ب{#spc} جمال الدنيا وسرّ الخلود
كل حيّ باق فإن مات غرّي د{#spc} فكم في الأعشاش من غرّيد
ها هنا كلّ زهرة تبعث العط ر {#spc}فإن تفن فالشذى غير فان
كم زهور ستنشر العطر والأل وان{#spc} من بعد في فضاء المغاني
ها هنا إن يسر أبولو بضوء {#spc}الش مس نحو المغيب كلّ مساء
فالنجوم المتلألئات جمال {#spc} شاعريّ الألوان والأضواء
ها هنا تنطق العرائش بالشع ر{#spc} وتحنو على مجاري الجداول
كلّ شيء حلو فاين ترى {#spc}السك ان؟ أين الفلاّح والقطعان؟
فيم لا يملأون عالمهم له وا؟{#spc} وأين الآمال والألحان؟
سرت فيه وحدي وحدي أسائله {#spc}عن ساكنيه وأيّ واد حواهم؟
أيّ لحن يرّنمون إذا الشم س {#spc}أطّلت؟ وما ترى نجواهم؟
كيف يحيون في صفاء من العي ش{#spc} بعيد عن قسوة الضرّاء
أأظّلتهم السعادة بالأح لام{#spc} أم هم كسائر الأشقياء
اتراهم يرنّمون الأغاري د {#spc}ويلهون في ليالي الحصاد
تحت ضوء النجوم والقمر البا سم{#spc} بين العطور والأوراد
أتراهم أولئك البشر اللا هون{#spc} بين الجمال والأحلام؟
أتراهم كما تخّيل قلبي؟ أم {#spc}تراني أمعنت في اوهامي
يا رعاة الأغنام في السفح عند الن بع{#spc} بين العرائش السّندسية
حدّثوني عن أغنياتكم الجذ لى {#spc}وعن بسمة القرى الشاعرّيه
حدّثوني عن الربيع إذا مرّ {#spc}على هذه القرى والشطوط
حدّثوني عن الحصاد ومجنى{#spc} ال زهر والبرتقال والبلّوط
حدّثوني ما لي أراكم حزانى ؟ {#spc} كلّ راع في وحشة واكتآب
كلّ راع جهم الملامح لا {#spc}يش دو ولا يزدهيه سحر الغاب
أنت يا أيّها الحزين أجبني {#spc} أيّ حزن في مقلتيك أراه؟
أي قيد من المرارة واليأ س{#spc} أظلّتك يا كئيب يداه؟
كيف يشقى من في حمى هذه الجن ة {#spc}يحيا وتحت هذي السماء
كيف يشقى الراعي وبين يديه{#spc} جنة من مفاتن وضياء
أسفا قد خدعت لم تصدق الأح لام{#spc} فيما رسمن من أفراح
لم أجد عند ذلك الشاحب الصامت {#spc}إلا مرارة الأقداح
فهو عند الينبوع ينظر في الظلّ {#spc} إلى الأفق شاحبا مصدوما
ممعنا في الجمود والصمت كالمو تى{#spc} يناجي الفضاء يرعى الغيوما
لم تزل قربه على العشب {#spc}النا دي عظام لكائن مقتول
هو ذاك الراعي الصغير الذي{#spc} را ح طعاما للذئب بين الحقول
إيه راعي الأغنام يا أيّها المق تول{#spc} فوق العشب النديّ النضير
كيف مات الراعي ولم تمت {#spc}الأغ نام يا للمقدّر المسطور
يا لحكم الأقدار يا راعي الأغ نام{#spc} يا ظلم ما تريد الصروف
كيف تفنى الأشواك حارسة الزه ر{#spc} ويبقى الورد الرقيق الضعيف؟
إنها قصّة الطبيعة يا {#spc}را عي قتال وأدمع وشكاة
إن تكن قد قتلت فالثأر باق{#spc} وغدا تقتل الذئاب الرعاة
نازعتنا البقاء في هذه الأر ض {#spc}وحوش الأحراش والأطيار
فلنا النصر مرّة ولهم {#spc}أخ رى كما تبتغي لنا الأقدار
فعزاء يا أيّها الجسد المص روع {#spc}في غمرة الكرى الأبديّ
قد بكاك الراعي الصديق وما{#spc} زا ل غريقا في حزنه الأخويّ
لم يزل جامدا على حافة النب ع {#spc}وفي مقلتيه دمع الشجون
يرقب الماء شاكيا قسوة الأق دار{#spc} مستنكرا ضلال المنون
صامتا ساهما بعيدا عن الأغ نام{#spc} حيران في ضباب الوجود
رازحا تحت وطأة الألم الطا غي{#spc} مشيحا عن الشذى والورود
كلما جفّ دمعه ذكر المق تول{#spc} والذئب فاستردّ أساه
يا لأحزانه الملحّات يا لل هول{#spc} ماذا ترى يعيد صفاه؟
السّنا والجمال؟ يا حيرة الرا عي{#spc} ويا ضيعة السنا والجمال
بعد حين ستعصف الريح بالصف صاف{#spc} والورد في سفوح الجبال
بعد حين يأتي المساء كئيبا {#spc} ويلفّ الجبال بالأحزان
ويسود السكون غير هتاف{#spc} ردّدته ضفادع الغدران
غير صوت النشيج في قرية الرا عي{#spc} تعالى تحت الدجى المنشور
غير صوت القدوم يعمله الحفّ ار{#spc} في الأرض بين صمت القبور
ثم يمضي الليل العميق إلى {#spc}غي ر رجوع وتبسم الأضواء
ويعود القمريّ يصدح جذلا ن{#spc} كأن ليس في الحياة شقاء
غير دار ماذا يعذّب أهل {#spc}ال قرية البائسين من آلام
غير دار ما خلف أكواخهم {#spc}من رعشات ولوعة وسقام
ليس يدري القمريّ لا ليس يدري {#spc} ما وراء الأكواخ من حرمان
ليس يدري أنّ الطبيعة تقسو{#spc} ليس يدري مرارة الأحزان
ليس يدري ماذا وراء بيوت الط ين{#spc} هذي من وحشة وظلام
ليس يدري ماذا يهزّ الخيام{#spc} ال سود من لهفة ومن آلام
ليس يدري القمريّ ما يحزن الف لاح{#spc} في كوخه وليس يراه
ليس يدري أنّ الأماسيّ قد {#spc}تم ضي عليه وما يغيب أساه
ليس يدري ما يفعل الجوع {#spc}والحز ن بأهل الأكواخ كلّ شتاء
حينما تغمر الثلوج ثرى المر ج{#spc} وتطغى عواصف الأجواء
حينما في حضائر القرية الحي رى {#spc}يموت القطيع موت غبين
حينما تذبل العواصف زهر ال لوز{#spc} والبرتقال والياسمين
حينما تدفن الثلوج حقول ال قمح {#spc}يا رحمتاه بالفلاّح
حينما يصرخ الجياع الحيارى {#spc} في ظلام الأكواخ كلّ صباح
أيها الصادح المغرّد فوق ال دّوح{#spc} طر عن هذا الوجود الأليم
دع أساه يا طير لي وحدي{#spc} واحي أنت الجذلان بين الغيوم
دعه لي دع آمال قلبي تذبل {#spc}بعد بحثي الطويل في الكون عنها
دع فؤادي يعد إلى ظلمة الأح زان{#spc} واخلص يا بلبلي أنت منها
خّيبت هذه القرى حلو أحلا مي {#spc}فلا رسم للسعادة فيها
ليس يدري الراعي المعذّب مأوا ها{#spc} ولا كان مرّة من بنيها
خدعتني الأوهام ليس لدى الرا عي{#spc} رخاء الحياة ليس لديه
فهو ذاك المكدود تصهره الشم س{#spc} ويقسو الحصى على قدميه
يتمّنى أن لو تبدّل بيت الط ين {#spc}قصرا على حفاف المدينه
ويريد الحياة لهوا فلا {#spc}أغ نام تثغو ولا نفوس حزينه
يا لوهم المسكين, كم من شقيّ {#spc} في ظلال القصور كم مصدوم
ليس للمال أن يذيق فؤادا {#spc} بشرّيا معنى الرضى والنعيم
يا سفينتي ما عاد في القرية{#spc} الحل وة مرسى لنا ففيم البقاء
ليس تحت الصفصاف إلا بيوت الطّ ين{#spc} والسقم والطوى والبكاء
أقلعي أقلعي بنا قد سئمنا {#spc} صرخات الجياع في كلّ شعب
قد رأينا الدموع في كلّ عين {#spc} وشهدنا الشقاء في كلّ قلب
ما الذي يا سفين يغري بأن نب قى {#spc}إذن؟ ما الذي ترى يبقينا؟
هل وجدنا طيف السعادة هل {#spc}في هذه الأرض فرحة تغرينا؟

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success