شيعوا الشمس ومالوا بضحاها Poem by أحمد شوقي

شيعوا الشمس ومالوا بضحاها

شيَّعوا الشمس ومالوا بضحاها {#spc} وانحنى الشرقُ عليها فبكاها
ليتني في الركبِ لما أفلتْ {#spc} يوشعٌ، همَّتْ، فنادَى ، فثناها
جَلَّل الصبحَ سواداً يومُها {#spc} فكأنّ الأرض لم تخلع دجاها
انظروا تلقوا عليها شفقاً {#spc}من جراحاتِ الضحايا ودِماها
وتروا بينَ يديها عبرة ً {#spc} من شهيدٍ يقطرُ الورد شذاها
آذنَ الحقُّ ضَحاياها بها وَيْحَهُ{#spc} حتى إلى الموتى نَعاها
كفّنوها حُرَّة ً عُلْوِيّة{#spc} ً كستِ الموتَ جلالاً، وكساها
مِصْرُ في أَكفانها إلا الهدى{#spc} لحمة ُ الأكفانِ حقٌّ وسداها
خطر النعشُ على الأَرض بها {#spc} يَحْسِرُ الأَبصارَ في النعش سَناها
جاءها الحقُّ، ومنْ عادتها{#spc} تؤثر الحقَّ سبيلاً واتَّجاها
ما دَرتْ مصرٌ: بدفن صُبِّحَتْ {#spc}أَم على البعثِ أَفاقَتْ مِنْ كَراها؟
صرختْ تحسبها بنتَ الشرى {#spc} طَلَبَتْ مِنْ مِخْلَب الموتِ أَباها
وكأَن الناسَ لما نَسَلوا {#spc} شُعَبُ السيل طَغتْ في مُلتقاها
وضعوا الرّاحَ على النعشِ كما {#spc} يلمسون الرُّكنَ، فارتدَّتْ نزاها
خَفضوا في يوم سعد هامَهم {#spc} وبسعدٍ رَفعوا أَمسِ الجِباها
سائلوا زحلة َ عن أعراسها {#spc}هل مشى الناعي عليها فمحاها؟
عطَّلَ المصطافَ من سمَّارِه {#spc} وجلا عن ضفة الوادي دماها
فتحَ الأَبوابَ ليلاً دَيْرُها{#spc} وإلى الناقوسِ قامتْ بيعتاها
صدَع البرقُ الدُّجَى ، تنشرُه {#spc}أرضُ سوريا، وتطويه سماها
يحملُ الأنباء تسري موهناً {#spc}كعوادي الثكل في حرِّ سراها
عرضَ الشكُّ لها فاضطربتْ {#spc} تَطأُ الآذانَ هَمْساً والشِّفاها
قلتُ: يا قوم اجمعوا أحلامكم {#spc} كلُّ نفسٍ في وَرِيدَيْها رَداها
يا عدوَّ القيدِ لم يلمحْ له {#spc} شبحاً في خطة ٍ إلا أباها
لا يضقْ ذرعكَ بالقيد الذي {#spc} حزَّ في سوق الأوالي وبراها
وقعَ الرسلُ عليه، والتوتْ {#spc} أَرجلُ الأَحرارِ فيه فعَفاها
يا رُفاتاً مِثلَ رَيْحَانِ الضُّحى {#spc} كلَّلَتْ عَدْنٌ بها هامَ رُباها
وبقايا هيكل من كرمٍ{#spc} وحياة أَتْرَعَ الأَرض حَياها
ودَّعَ العدلُ بها أعلامه {#spc} وبكتْ أنظمة ُ الشورى صواها
حَضنتْ نعشك، والتفَّتْ به {#spc}راية ٌ كنتَ من الذلّ فداها
ضمَّت الصدرَ الذي قد ضمَّها {#spc}وتلقَّى الهمَّ عنها فوقاها
عجبي مِنها ومن قائدها!! {#spc}كيف يَحمِي الأَعزلُ الشيخُ حِماها؟
مِنْبَرُ الوادي ذَوَت أَعوادُه {#spc}مِن أَواسِيها وجَفَّتْ من ذُراها
من رمى الفارسَ عن صهوتها {#spc} ودَعا الفُصحى بما أَلجمَ فاها؟
قدرٌ بالمدن ألوى والقرى{#spc} ودَها الأَجبالَ منه ما دَهاها
غال بَسْطورا وأَردَى عُصبة ً{#spc} لمستْ جرثومة َ الموتِ يداها
طافت الكأْسُ بساقي أُمّة ٍ {#spc} من رحيقِ الوطنياتِ سقاها
عطلتْ آذانها من وترٍ{#spc} ساحرٍ رَنَّ مَلِيّاً فشجاها
أَرغُنٌ هامَ به وِجْدَانُها{#spc} وأَذانٌ عَشِقتْه أُذُناها
كلَّ يومٍ خطبة ٌ روحية ٌ{#spc} كالمزامير وأنغامِ لغاها
دَلَّهَتْ مصراً ولو أَنَّ بها {#spc}فلواتٍ دلَّهتْ وحش فلاها
ذائدُ الحقِّ وحامي حوضه {#spc} أَنفَذَتْ فيه المقاديرُ مُناها
أخذتْ سعداً من البيت يدٌ تأْخذُ {#spc}الآسادَ من أَصل شراها
لو أصابت غيرَ ذي روحٍ لما{#spc} سلمتْ منها الثريا وسهاها
تتحدّى الطبَّ في قفّازها علَّة{#spc} ُ الدهر التي أعيا دواها
من وراءِ الإذنِ نالتْ ضيغماً {#spc} لم ينلْ أقرانه إلا وجاها
لم تصارحْ أصرحَ الناسِ يداً {#spc}ولساناً، ورُقاداً، وانتباها
هذه الأعوادُ من آدمَ لمْ يهدَ{#spc} خفَّاها، ولم يعرَ مطاها
نقَلَتْ خُوفو ومالتْ بمِنا {#spc}لم يفتْ حيَّاً نصيبٌ من خطاها
تَخْلِطُ العُمْرينِ: شيْباً، وصِباً {#spc}والحياتين: شقاءً، ورفاها
زورقٌ في الدمعِ يطفو أبداً {#spc} عرَفَ الضَّفَّة َ إلا ما تلاها
تهلع الثَّكلى على آثاره {#spc} فإذا خفَّ بها يوماً شفاها
تسكبُ الدمعَ على سعدٍ دماً {#spc}أُمة ٌ من صخرة ِ الحقِّ بناها
من ليانٍ هو في ينبوعها {#spc} وإباءٍ هو في صمِّ صفاها
لُقِّنَ الحقَّ عليه كَهلُها {#spc}واستقى الإيمانَ بالحقِّ فتاها
بذلتْ مالاً، وأمناً، ودماً {#spc}وعلى قائدها ألقتْ رجاها
حمَّلته ذمَّة ً أوفى بها {#spc}وابتلَتْه بحقوقٍ فقضاها
ابنُ سبعينَ تلقَّى دونها غُربة َ{#spc} الأَسرِ، ووَعْثاءَ نَواها
سفرٌ من عدن الأرضِ، إلى {#spc} منزلٍ أَقرَبُ منه قُطُباها
قاهرٌ ألقى به في صخرة ٍ{#spc} دفعَ النسرَ إليها فأَواها
كرهتْ منزلها في تاجه دُرّة ٌ{#spc} في البحر والبرِّ نفاها
اسأَلوها، واسأَلوا شانِئَها {#spc}لِمَ لمْ يَنفِ من الدُّرِّ سِواها؟
ولَدَ الثَّورَة َ سعدٌ حُرّة ً{#spc} بحياتيْ ماجد حُرٍّ نَماها
ما تَمنَّى غيرَها نسلاً، ومَنْ يلِدِ {#spc}الزَّهراءَ يَزْهَدْ في سواها
سالت الغابة ُ من أَشبالها {#spc} بينَ عينيهِ وماجتْ بلباها
بارك اللهُ لها في فرعها {#spc}وقضى الخيرَ لمصرٍ في جناها
أولم يكتبْ لها دستورها {#spc} بالدمِ الحرِّ، ويَرْفَعْ مُنتداها؟
قد كتبتاها، فكانت صورة ً{#spc} صَدْرُها حقٌّ وحقٌّ مُنتهاها
رَقَدَ الثائرُ إلا ثورة ً {#spc} في سبيل الحقِّ لم تَخمد جُذاها
قد تولاَّها صبيَّاً فكوتْ {#spc}راحَتَيْهِ، وفَتِيّاً فرعاها
جالَ فيها قلماً مستنهضاً {#spc}ولِساناً كلَّما أَعْيَتْ حَداها
ورمى بالنفس في بركانها {#spc} فتلقَّى أولَ الناسِ لظاها
أَعلِمتم بعد موسى مِنْ يَدٍ قذفتْ{#spc} في وجه فرعونَ عصاها؟
وطئتْ نادبة ً صارخة ً شاهَ{#spc} وجهُ الرّقِّ ـ يا قوم ـ وشاها
ظفرتْ بالكبر من مستكبرٍ {#spc}وسيوفُ الهندِ لم تصحُ ظباها
أين منْ عينيَّ نفسٌ حرَّة ٌ {#spc}كنتُ بالأَمسِ بعينيَّ أَراها؟
كلما أَقبلت هَزَّتْ نفسها{#spc} وتواصى بشرها بي ونداها
وجرى الماضي، فماذا ادَّكرتْ {#spc}وادِّكارُ النفسِ شيءٌ من وَفاها؟
أَلمحُ الأَيَامَ فيها، وأَرى {#spc} من وراءِ السنِّ تمثالَ صباها
لستُ أَدري حينَ تَندَى نَضرة ً {#spc} عَلَتِ الشَّيْبَ، أَم الشَّيْبُ عَلاها؟
حَلَّت السبعون في هيكلها{#spc} فتداعى وهيَ موفورٌ بناها
روعة ُ النادي إذا جدَّتْ، فإن{#spc} مزحتْ لم يذهب المزحُ بهاها
يَظفَرُ العُذْرُ بأَقصى سُخطِها {#spc} وينالُ الودُّ غاياتِ رضاها
ولها صبرٌ على حسِّادها {#spc} يشبه الصفحَ، وحلمٌ عن عداها
لستُ أنسى صفحة ً ضاحكة ً{#spc} تأْخذ النفسَ وتَجرِي في هواها
وحديثاً كرِوايات الهوى{#spc} جدَّ للصبِّ حنينٌ فرواها
وقناة ً صعدة ً لو وهبتْ{#spc} للسَّماكِ الأعزلِ اختالَ وتاها
أين منِّي قلمٌ كنتُ إذا سمتُه{#spc} أَن يَرثِيَ الشمسَ رَثاها؟
خانني في يوم سعدٍ، وجَرى {#spc}في المراثي فكَبا دونَ مَداها
في نعيم الله نفسٌ أوتيتْ{#spc} أنعمَ الدنيا فلم تنسَ تقاها
لا الحِجَى لمّا تَنَاهَى غَرّها {#spc} بالمقاديرِ، ولا العِلمُ زَهاها
ذَهَبَتْ أَوّابة ً مُؤمِنَة ً {#spc} خالصاً من حيرة ِ الشكِّ هداها
آنستْ خلقاً ضعيفاً ورأتْ {#spc} من وراءِ العالَمِ الفانِي إلڑها
ما دعاها الحقُّ إلا سارَعَتْ {#spc} ليتَه يومَ «وَصِيفٍ» ما دعاها

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success