عصر الرشيد Poem by إيليا أبو ماضي

عصر الرشيد

كم بين طيّات القرون الخالية {#spc}عظة لأبناء الدهور الآتية
عبر اللّيالي كاللّيالي جمّة {#spc} لكنّما النزر القلوب الواعية
الدّهر يفنينا و نحسب أنّه{#spc} يفني بنا أيّامه و لياليه
فاذا مشى فينا الفناء فراعنا {#spc} خلق الخيال لنا الحياة الثانية
إنّ الحياة قصيدة ، أبياتها {#spc} أعمارنا ، و الموت فيها القافية
كم تعشق الدنيا و تنكر صدّها {#spc} أنسيت أنّ الخلف طبع الغانية ؟
و تودّ لو يبقى عليك نعيمها {#spc} أجهلت أن عيك ردّ العارية ؟
خلذ الغرور بما لديك فإنّما{#spc} دنياك زائلة و نفسك فانية
إنّ الألى وطئت نعالهم السّهى {#spc} و طئت جباههم نعال الماشية
لو أنّ حيّا خالد فوق الثّرى {#spc} ما مات ' هارون ' و زال ' معاوية '
أو كان عزّ دائما ما أصبحت{#spc} ' بغداد ' في عدد الطلول البالية
أخنت عليها النائبات، فدروها {#spc} خرب تعاودها الرياح السّافية
يأوى إليها البوم غير مروّع {#spc}من كلّ نعّاب أحمّ الخافيه
نزل القضاء فما حماها سورها {#spc} ولطالما ردّ الجيوش الغازية
و اجتاح مجتاح العروش ملوكها {#spc} فكأنهم أعجاز نخل خاوية
أين القصور الشاهقات و أهلها{#spc} باد الجميع ، فما لهم من باقية
درست معالمها و غيّرها البلى {#spc} و لقد ترى حلل المحاسن كاسية
أيّام لا دوح المعارف ذابل {#spc} ذاو ، و لا دور الصّناعة خالية
أيّام لا لغة ' الكتاب ' غريبة {#spc} فيها و لا همم الأعارب وانية
أيّام كان العلم يغبط أهله {#spc} أهل الثراء ، ذوو البرود الضافية
أيّام كان لكلّ حسن شاعر {#spc} كلف به و لكلّ شعر راويه
أيّام ' دجلة ' مطمئن هاديء {#spc} جذلان يهزأ بالبحور الطامية
' النيل ' خادمه الأمين ، و عبده ' نهر{#spc} الفرات ' و كلّ عين ' جارية '
تهوى الكواكب أنّها حصباؤه {#spc} أو أنّها شجر عليه حانيه
و تودّ كلّ سحابة مرّت به {#spc} لو أنّه سحب عليها هامية
و ترى الغزاله طيفها عند الضحى {#spc} في سطحه فتبيت عطشى راوية
أيّام كان الشرق مرهوب اللوا {#spc} يكسو الجلال سهوله و روابيه
أيّام تحسدها العواصم مثلما {#spc} حسد العواطل أختهنّ الحالية
و لطالما كانت تعزّ بعزّها ' مصر{#spc} ' و يحمي ذكرها ' أنطاكيه '
أيّام ' هارون ' يدير شؤونها {#spc} يا عصر هارون ' عليك سلاميه
ملك أدال من الجهالة علمه {#spc} و أذلّ صارمه الملوك العاتيه
ومشت تطوّف في البلاد هباته {#spc} تغشى حواضرها و تغشى البادية
ملأ البلاد عوارفا و معارفا {#spc} و الأرض عدلا و النفوس رفاهيه
فتحضّر البادون في أيّامه {#spc} و استأنست حتّى الوحوش الضارية
و تسربلت ' بغداد ' ثوب مهابة{#spc} ليست تراه أو ' تراه ' ثانيه
هاتيك أيّام تلاشت مثلما تمحو {#spc} من الرقّ الحروف الماحية
لم يبق إلاّ ذكرها يا حسنها {#spc} ذكرى تهشّ لها العظام الباليه
لو أنّ هذا الدهر سفر كنت يا {#spc}عصر الحضارة متنه و الحاشية
عصر لئن جاء البشير بعودة {#spc} فلأخلعنّ على البشير شبابيه
إيه ' أبا المأمون ' ذكرك آبد {#spc} في الأرض مثل الشامخات الراسيه
باق على مرّ العصور بقاءها {#spc} و كذاك ذكر ذوي النفوس السامية
إن لم يكن لك من مثال بيننا{#spc} فلأنّ روحك كلّ حين دانيه
هي في الخمائل زهرة فيّاحة {#spc} هي في الكواكب شمسها المتلالية
إنّي لأعجب كيف متّ و في الورى {#spc} حيّ و كيف طوتك هذي الطاوية
ومن الزمان يهدّ ما شيّدته {#spc} ويح الزمان أما تهيّب بانيه ؟
تشكو إليك اليوم نفسي شجوها {#spc} فلأنت مفزع كلّ نفس شاكية
أتراك تعلم أنّ دارك بدّلت {#spc}من صوت ' إسحق ' بصوت النّاعية ؟
أتراك تعلم أنّ ما أثلته {#spc} قد ضيّعته الأنفس المتلاهية ؟
يا ويح هذا الشرق بعدك إنّه {#spc} للضعف بات على شفير الهاوية
ما كان يقنع بالنجوم وسائدا {#spc} و اليوم يقنع أهله بالعافية
مسترسلون إلى الذهول كأنّما {#spc} سحروا أو اصطرعوا ببنت الخابية
مستسلمون إلى القضاء كأنّما {#spc} أخذوا و لمّا يؤخذوا بالغاشية
المجد إدراك النفيس ، و عندهم {#spc} ما المجد إلاّ شادن أو شادية
يهوى الحياة الناس طوع نفوسهم {#spc}و هم يريدون الحياة كما هيه
صغرت نفوسهم فبات عزيزهم {#spc} يخشى الجبان كما يخاف الطاغية
حملوا المغارم ساكتين كأنّما {#spc}كبرت على أحناكهم لا الناهية
لم تسمع الدنيا بقوم قبلهم {#spc} ماتوا و ما برحوا الديار الفانية
الله لو حرصوا على أمجادهم {#spc} فلتلك عنوان الشعوب الراقية
ملك ' العلوج ' أمورهم و متاعهم {#spc} حتّى سوامهم و حتّى الآنية
وا خجلة العربيّ من أجداده {#spc} صارت عبيدهم الطغاة موالية
أبني الغطارفة الجبابرة الألى {#spc} و طئوا ' اللّوار ' و دوّخوا ' إسبانية '
من حولكم و أمامكم تاريخهم {#spc} فاستخبروه فذاك أصدق راويه
قادوا الجيوش فكلّ سهل ضيّق {#spc} ورموا المعاقل فهي أرض داحيه
و سطوا فأسقطت العروش ملوكها{#spc} رعبا و أجفلت الصروح العالية
و مشوا على هام النجوم فلم تزل{#spc} في اللّيل من وجل تحدّق ساهية
وردت خيولهم المجرّة شزّبا{#spc} و الشهب من حول المجرّة صادية
أعطاهم صرف الزمان زمامه{#spc} أمنوا و ما أمن الزمان دواهيه
لا أستفزّكم لمثل فتوحهم لكن {#spc} إلى حفظ البقايا الباقية
أتذلّ آناف الملوك جدودكم {#spc}و تسومكم خسفا رعاة الماشية ؟
كم تصبرون على الهوان كأنّكم {#spc} في غبطة و الذّلّ نار حامية
يا للرجال ! أما علمتم أنّكم {#spc} إن لم تثوروا ، أمّة متلاشية ؟
' دار السّلام ' تحيّة من شاعر{#spc} حسدت مدامعه عليك قوافية
فأراق ماء شؤونه و لو أنّه {#spc} في الغاديات أراق ماء الغادية
لو كان مجدك مستردا بالبكا {#spc}قطرت محاجره الدماء القانية
فعليك تذهب كلّ نفس حسرة {#spc} و لمثل خطبك تستعار الباكية

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success