تَحْلِيَة ُ كِتَاب Poem by أحمد شوقي

تَحْلِيَة ُ كِتَاب

لا السُّهد يدنيني إليه ، ولا الكرى {#spc} طَيْفٌ يزورُ بفضله مهما سرى
تَخِذَ الدُّجى ، وسماؤه ، ونجومه {#spc} سُبُلاً إلى جنيفك ، لم يرضَ الثرى
وأتاك موفور النعيم ، تخاله {#spc} ملكاً تنمُّ به السماءُ، مُطهَّرا
عِلم الظلامُ هبوطه، فمشت له {#spc} أهدابه يأخذنه متحدِّراً
وَحَمى النَسائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي {#spc} حَذَراً وَخَوفاً أَن يُراعَ وَيُذعَرا
ورقدْتَ تُزْلِف للخيال مكانَه {#spc} بين الجفون، وبين هُدبِك، والكرى
فهَنِئْتَهُ مثلَ السعادة ِ شائقاً {#spc} متصوراً ما شئتَ أَن يَتصورا
تطوى له الرقباء منصور الهوى {#spc} وتدوس ألسنة الوشاة ِ مظفَّرا
لولا امتنانُ العين يا طيفَ الرضا {#spc} ما سامحت أيامها فيما جرى
باتَت مُشَوَّقَةً وَباتَ سَوادُها {#spc} زونا بِتِمثالِ الجَمالِ مُنَوِّرا
تُعطى المُنى وَتُنيلُهُنَّ خَليقَةً {#spc}بِكَ أَن تُقَدِّمَ في المِنى وَتُؤَخِّرا
وَتُعانِقُ القَمَرَ السَنِيَّ عَزيزَةً {#spc} حَتّى إِذا وَدَّعتَ عانَقتَ الثَرى
في ليلة ٍ قدِم الوجودَ هلالُها{#spc} فدنت كواكبُها تُعلِّمه السُّرى
وتريه آثار البدورِ ليقتفي {#spc} ويرى له الميلادُ أن يتصدّرا
ناجيتُ مَن أَهوى ؛ وناجاني بها {#spc} بين الرياض ، وبين ماءِ سويسرا
حيث الجبالُ صغارُها وكبارُها {#spc} من كل أَبيضَ في الفضاءِ وأَخضرا
تَخِذَ الغمامُ بها بيوتاً، فانجلت {#spc} مشبوبة َ الأجرام ، شائبة َ الذُّرَى
والصخرُ عالٍ، قام يشبه قاعداً {#spc} وأَناف مكشوفَ الجوانبِ مُنذِرا
بين الكواكب والسحابِ، ترى له {#spc} أُذُناً من الحجر الأَصمِّ ومِشفَرا
قد جاءَها الفاتحُ في عُصْبة ٍ {#spc} من الأُسُود الرُّكَّع، السُجَّد
والسفحُ من أَيِّ الجهاتِ أَتيتَه {#spc} أَلفيته دَرَجاً يَموج مُدوّرا
نثرَ الفضاءُ عليه عِقدَ نجومِه {#spc} فبدا زَبَرْجَدُه بهنّ مجوهرا
وتنظَّمتْ بِيضُ البيوتِ، كأَنها {#spc} أَوكارُ طيرٍ، أَو خَمِيسٌ عسكرا
وما توانى الرومُ يَفْدُونَها {#spc} والسيف في المفْدِيِّ والمفتدِي
فخلتُها من قيصرٍ سعدُه {#spc} وأُيِّدتْ بالقيصرِ الأسعد
والنجمُ يبعث للمياه ضيائه {#spc} والكهرباءُ تضيءُ أثناءَ الثرى
هام الفراشُ بها ، وحام كتائباً {#spc} يحكي حوالَيْها الغمامَ مسيَّرا
خُلِقَت لِرَحمَتِهِ فَباتَت نارُهُ {#spc} بَرداً وَنارُ العاشِقينَ تَسَعُّرا
والماءُ من فوق الديار، وتحتَها {#spc} وخِلالها يجري، ومن حول القرى
فيا لثأْرٍ بيننا بعده أقام {#spc}، لم يقرب، ولم يبعد
مُتصوِّباً، مُتصعِّداً، مُتمهِّلاً {#spc} مُتسرِّعاً، مُتسلسِلاً، مُتعثِّرا
والأَرضُ جِسْرٌ حيث دُرْت ومَعْبَرٌ {#spc} يصلان جسراً في المياه ومعبرا
والفُلكُ في ظلّ البيوت موَاخِراً {#spc} تطري الجداولَ نحوها والأَنهُرا
حتى إذا هَدأَ المَلا في ليله {#spc}جاذبتُ لَيلِي ثوبَه متحيِّرا
وخرجت من بين الجسور، لعلَّني {#spc} أَستقبِل العَرْفَ الحبيبَ إذا سرَى
آوي إِلى الشَجَراتِ وَهيَ تَهُزُّني {#spc} وَقَدِ اِطمَأَنَّ الطَيرُ فيها بِالكَرى
ويهزّ مني الماءُ في لمعانه {#spc} فأَميلُ أنظر فيه، أطمعُ أَن أرى
وهنالك ازدَهَت السماءُ، وكان أن {#spc} آنستُ نوراً ما أتمَّ وأبهرا
فسريتُ في لألائِهِ ، وإذا به {#spc} بدرٌ تسايره الكواكبُ خُطَّرا
فكلُّ شرٍّ بينهم أَو أَذى {#spc} أَنت بَراءٌ منه طُهْرُ اليد
حُلُم أعارتني العناية ُ سمعها فيه،{#spc} فما استتممْتُ حتى فُسِّرا
فرأيتُ صفوي جَهرة ، وأخذتُ أنـ {#spc} ـسى يقظة ، ومُنايَ لَبَّتْ حُضَّرا
وأَشرت:هل لُقيا؟ فأُوحِيَ:أَنْ غداً {#spc} بالطّود أبيض من جبال سويسرا
إن أَشرَقَت زهراءَ تسمو للضحى {#spc} وإذا هوت حمراءَ في تلك الذُّرى
فشروقُها منه أَتمّ معانياً {#spc} وغروبُها أَجلى وأَكملُ منظرا
تبدو هنالك للوجود وَلِيدة ً {#spc} تهْنا بها الدنيا، ويغتبط الثرى
وتضيءُ أَثناءَ الفضاءِ بغُرَّة ٍ {#spc} لاحَت برأْسِ الطَّودِ تاجا أزهرا
فسمعت فكانت نصف طار ، ما بدا {#spc} حتى أناف ، فلاح طاراً أكبرا
يعلو العوالم، مستقلاًّ ،{#spc} نامياً مُستعصياً بمكانه أَن يُنْقَرا
سالَت بِهِ الآفاقُ لَكِن عَسجَداً {#spc} وَتَغَطَّتِ الأَشباحُ لَكِن جَوهَرا
واهتزَّ، فالدنيا له مُهتزَّة ٌ {#spc} وأَنار، فانكشف الوجودُ منوّرا
حَتّى إِذا بَلَغَ السُمُوُّ كَمالَهُ {#spc} أَذِنَت لِداعي النَقصِ تَهوى القَهقَرى
فدنت لناظرها ، ودان عنانُها {#spc} وتبدّل المستعظم المستصغرا
واصفرَّ أَبيضُ كلِّ شيءٍ حولَها {#spc} واحمرَّ برْقُعُها وكان الأصفرا
وسما إليها الطَّودُ يأْخذُها، وقد {#spc} جعلتْ أعاليَهُ شريطاً أحمرا
مسَّته، فاشتعلت بها جَنَباته {#spc} وبدتْ ذُراه الشُّمُّ تحمل مِجْمرا
فَكَأَنَّما مَدَّت بِهِ نيرانَها {#spc} شَرَكاً لِتَصطادَ النَهارَ المُدبِرا
حرقته ، واحرقت به ، فتولَّيا {#spc} وأتى طُلولَهما الظلامُ فعسكرا
فشروقُها الأَملُ الحبيبُ لمن رأَى {#spc} وغروبُها الأَجلُ البغيضُ لمن درى
خطبانِ قاما بالفناءِ على الصَّفا {#spc} ما كان بينهما الصفاءُ ليعمُرا
تتغير الأشياءُ مهما عادوا {#spc} والله عزّ وجلّ لن يتغيرا
أنهارنا تحت السليف وفوقه {#spc} ولدى جوانبه ، وما بين الذُّرى
هي من أشِّ سبيلٍ جئتها {#spc} غاية ٌ في المجدِ لا تدنو طِلابا
رَجْلاً، ورُكْباناً، وزَحْلَقَة ً على {#spc} عِجلٍ هنالك كهربائيِّ السرَى
في مركبٍ مُستأْنسٍ، سالت به {#spc} قُضُبُ الحديدِ، تعرُّجاً وتحدُّرا
ينسابُ ما بين الصخور تمهُّلاً {#spc} ويخفُّ بين الهُوَّتين تَخطُّرا
وإذا اعتلى بالكهرباء لذروة ٍ {#spc} عصماءَ؛ همّ معانقاً متسوِّرا
لما نزلنا عنه في أُمِّ الذُّرى {#spc} قمنا على فرع السليف لننظرا
أرضٌ تموجُ بها المناظرُ جَمَّة ٌ {#spc} وعوالمٌ نِعْمَ الكتابُ لمن قرا
وقرى ً ضربن على المدائن هالة ً{#spc} ومدائنٌ حَلَّيْنَ أَجيادَ القُرَى
ومزارعٌ للنارظين روائعٌ {#spc} لَبِسَ الفضاءُ بها طرازاً أَخضرا
والماءُ غُدْرٌ ما أَرقَّ وأغْزَرا ‍‍{#spc} وجداولٌ هنّ اللُّجَيْنُ وقد جرى
فحشون أَفواهَ السهولِ سبائكاً {#spc} وملأْنَ أقبالَ الرواسخِ جوهرا
قد صغَّر البعدُ الوجودَ لنا، فيا {#spc}لله ما أحلى الوجودَ مصغَّرا

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success